سجل دخولك او إضغط هنا للتسجيل
![]() من قصص البطولة والفداء الشهيد المصري "أحمد عبد العزيز" : بطل معركة "رامات راحيل" المنسي في مقبرة القبة في بيت لحم لا يقطع الناس في بلادنا موتاهم , فهم يقومون بزيارات لقبورهم بين الوقت و الآخر, يرتلون ما تيسر من الكتب المقدسة أو يضعون الزهور و يوزعون الحلوى , حتى أن العيد في بلادنا يبدأ بزيارة القبور .. ! و لكن بعض الموتى مثل بعض الأحياء , لا يذكرهم و لا يزورهم أحد , و منهم البطل العربي المصري (أحمد عبد العزيز) الذي لا يثير نصبه التذكاري الشامخ في مقبرة قبة راحيل شمال بيت لحم أحدا , إلا حارس المقبرة الذي يفخر بصحبة البطل (أحمد عبد العزيز) و أحفاده و أولاده من الشهداء الجدد الذين بدأت تضيق المقبرة بهم . و يمكن أن يصاب المرء بحزن عندما يشاهد الاهتمام بقبر راحيل و زواره الكثر من اليهود المتعصبين و المتدينين الذين لا ينقطعون عنه أبدا , و على بعد أمتار منه يلف السكون و الإهمال نصب البطل (أحمد بك عبد العزيز) , أحد الأبطال العرب المشهود لهم , الذين تحدوا رغبة الأنظمة العربية و قدموا حياتهم من أجل القضية الكبرى : فلسطين..! الدخول إلى فلسطين : دخل الجيش المصري فلسطين في أيار/1948م , و دخلت مفارز خفيفة منه إلى مدن : الخليل , بيت لحم , بيت صفافا و بيت جالا بتاريخ 20/5/1948م , و كانت هذه المفارز تضم عددا من الجنود و نصف كتيبة من المجاهدين معظمهم من الإخوان المسلمين , بقيادة الضابط أحمد عبد العزيز و يساعده اليوزباشي كمال الدين حسين (عضو قيادة مجلس الثورة في مصر فيما بعد) و اليوزباشي عبد العزيز حماد . و كانت هذه القوات , كما ذكر الضابط الأردني الشهير عبد الله التل قائد معركة القدس و قتذاك في مذكراته , مزودة بالأسلحة الخفيفة كالبنادق و الرشاشات و عدد قليل من المدافع القوسية و مدافع من عيار رطلين تحملها سيارات عادية غير مصفحة . ![]() و كان أحمد عبد العزيز يعلم أن قرار بعض الحكومات العربية إرسال جيوشها إلى فلسطين لم يكن المقصود منه الدفاع عنها , إنما (لذر الرماد في العيون) كما يقولون , لذا كان يعلم أيضا أن التحدي الذي ينتظره هو و فرقته الصغيرة : كيف يدافعون فعلا عن الحق العربي ؟ و ما إن وصل البطل أحمد عبد العزيز إلى بيت لحم , حتى بدأ باستكشاف الخطوط الدفاعية للعدو التي تمتد من "تل بيوت" و "رمات راحيل" في الجهة الشرقية الجنوبية للقدس , ليس بعيدا كثيرا عن قبة راحيل في مدخل بيت لحم الشمالي , حتى مستعمرات "بيت هكيرم" و "شخونات هبوعاليم" و "بيت فيجان" و " يفنوف" و نشر قواته مقابلها . و وضع عبد الله التل الذي كان يتمرد على أوامر قيادته , كما يذكر , القوات الأردنية في كل المنطقة تحت تصرف أحمد عبد العزيز دون علم قيادة الجيش الأردني , لإيمانه بوطنيته و إخلاصه . و بدأ أحمد عبد العزيز بشن هجوماته البطولية غير عابئ بأوامر قيادة الجيوش العربية و منها قيادة الجيش الأردني التي بدأت بوضع العراقيل أمامه , و من مواقفه البطولية على أرض القدس موقفه الوطني المشرف في معركة "رمات راحيل . ![]() التاريخ يعيد نفسه مرتين : كانت مستعمرة "رمات راحيل" تشكل خطورة نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام على قرية "صور باهر" و طريق القدس- بيت لحم , لذا قرر أحمد عبد العزيز احتلال المستعمرة و قاد هجوما عليها يوم الإثنين 24/5/1948م بمشاركة عدد من الجنود و الضباط و المتطوعين الأردنيين .. بدأ الهجوم بقصف المدافع المصرية للمستعمرة , بعدها زحف المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم .. و لم يبق إلا منزل واحد احتمى فيه مستوطنو المستعمرة .. و حين انتشر خبر انتصار أحمد عبد العزيز , بدأ السكان العرب يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم , و التفت العدو للمقاتلين , و ذهبت جهود أحمد عبد العزيز في إقناع الجنود بمواصلة المعركة و احتلال المستعمرة أدراج الرياح , و أصبح هدف الجميع إرسال الغنائم إلى المؤخرة . . ووجد "أحمد عبد العزيز" نفسه في الميدان وحيدا إلا من بعض مساعديه , كما حدث للنبي محمد - صلى الله عليه و سلم - حين تخلى عنه صحبه في معركة "أحد" , و كما تغيرت نتيجة المعركة التي قادها النبي (ص) , وصلت التعزيزات لمستعمرة "رمات راحيل" و قادت العصابات الصهيونية هجوما في الليل على أحمد عبد العزيز و مساعديه الذين بقوا , و كان النصر فيه حليف الصهاينة , و كان على العرب الوقوع في نفس الحفرة , على الأقل مرتين ..! ![]() موعد مع الموت : و يذكر عبد الله التل باعتزاز مواقف أحمد عبد العزيز البطولية الكثيرة و تعاونه معه دون علم قيادة الجيش الأردني التي كانت تنفذ في فلسطين (الخطة الموضوعة في لندن) حسب تعبيره ..! و لم يمهل القدر أحمد عبد العزيز ليرى ما حدث لفلسطين , فعندما كان في طريقه بصحبة اليوزباشي صلاح سالم (أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مصر فيما بعد) إلى القيادة المصرية في المجدل ليلة 22/8/1948م , و وصل بالقرب من مواقع الجيش المصري في الفالوجة , أطلق أحد الحراس النار على سيارة الجيب التي كان يستقلها البطل أحمد عبد العزيز بعد اشتباهه في أمرها , فأصابت الرصاصة صدر البطل الذي ما لبث أن استشهد . و يقول عبد الله التل في مذكراته "بوفاته خسر الجيش المصري , لا بل الجيوش العربية قائدا من خيرة قوادها" . و يورد التل نص برقية أرسلت إليه من اليوزباشي كمال الدين حسين , باسم الجنود و الضباط المصريين , يشكره فيها على مواساتهم باستشهاد قائدهم و يوعده بالسير على درب البطل الشهيد , و يعلق التل على ذلك "و قد بر الضباط المصريون بوعدهم و ساروا في الطريق الذي رسمه أحمد عبد العزيز , و إذا كانت مؤامرات السياسة في قضية فلسطين قد حالت دون تحقيق أهداف الضباط و الجنود الأبرياء فليس الذنب ذنبهم" . ![]() شهادة هيكل : و في كتابه "العروش و الجيوش" الذي عرض فيه محمد حسنين هيكل يوميات حرب عام 1948م , تظهر الكثير من صور بطولات أحمد عبد العزيز و المتطوعين . و يكتب هيكل عن منع وزارة الحربية المصرية لأي صحافي مصري من الدخول في مناطق عمل القوات المصرية , و تصميمها على أن تحصل الصحافة المصرية على ما تحتاجه من معلومات من إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة . و يذكر أنه تمكن و مصور جريدة "أخبار اليوم" من الوصول إلى قوات أحمد عبد العزيز في بيت لحم و الخليل مشيا على الأقدام عن طريق القدس , و كيف أن الرقابة العسكرية حذفت كل كلمة و كل صورة , و تم رفع الموضوع إلى وزير الحربية محمد حيدر باشا الذي وافق في النهاية على نشر خمس صور (كانت بنيها الصورة الشهيرة لأحمد عبد العزيز , و كانت تلك الصورة هي المرة الأولى التي رأى فيها الناس و عرفوا شيئا عن الرجل الذي أطلقوا عليه وصف "البطل" , ![]() و لولا أذن الفريق حيدر باشا لما عرف الناس شيئا على الإطلاق عن أحمد عبد العزيز , لأن الرجل ما لبث أن قتل برصاصة مصرية طائشة أطلقها جندي مصري في موقع على طريق بيت جبرين قبل أن تتاح له الفرصة للعودة للقاهرة) . و في مكان آخر كتب هيكل يقول : (كان أحمد عبد العزيز قد استشهد في عملية طائشة إذ أراد أن يبحث الموقف حول القدس مع قيادته في المجدل , و لم تكن علاقة أحمد عبد العزيز مع القائد العام في المجدل و هو اللواء محمد أحمد المواوي جيدة . فمن ناحية كان أحمد عبد العزيز يعتبر قائده العام تقليديا أكثر مما يجب ، و في الوقت نفسه اللواء المواوي كان يعتبر أحمد عبد العزيز مغامرا أكثر مما يجب , و بعد استشهاد أحمد عبد العزيز , فقد عين على رأس قوة المتطوعين بدلا منه ضابط آخر هو القائمقام عبد الجواد طبالة) . ![]() ميدان هناك : و يتضح بأن دورا كبيرا كان ينتظر أحمد عبد العزيز بعد حرب فلسطين , قام به آخرون و على رأسهم البكباشي جمال عبد الناصر . و في كتابه عن عبد الناصر كتب جان لاكوتير (الأميرالي أحمد عبد العزيز كان يثير إعجاب عبد الناصر و سقط عبد العزيز برصاصة أطلقت من الخطوط المصرية بعد ساعات من اجتماع عقد في خيمة الضابط كمال الدين حسين و قال خلاله عبد العزيز لصلاح سالم "النضال الحقيقي ليس هنا ميدانه , لا تنس هذا , النضال الحقيقي ميدانه مصر بالذات") ![]() |